فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومادة صل تدور على الصلصال الذي هو الطين مطلقًا، أو الطين الحر يخلط بالرمل، أو الطين ما لم يجعل خزفًا، ويتفرع جميع معاني المادة منه، لأن من لوازمه في أوله الماء واللين بنداوته وسهولة خلطه لغيره، فيأتي الخفاء لأنه يغرز فيه بغير صوت، ومنها قبول التصفية من الغش، ومنها في آخره الصلابة لشدة اليبس، فيلزم تضامّ الأجزاء وتضايقها على انتظام أو غير انتظام، والصوت، وشدة الانفصال بالتشقق، ومن لوازمه التغير بالنتن، فيأتي الخبث والفساد، ومن لوازمه شدة الاختلاط بحيث إذا نشب فيه شيء عسر خلاصه، ومن لوازمه تميزه عما عداه، ومحل يصنع فيه.
فمن الصوت واليبس: صليل الحديد والإبل ونحو ذلك، يقال: صل الحديد واللجام: امتد صوته، فإن توهم ترجيع الصوت قيل: صلصل، وصل البيض: سمع له طنين عند القراع، والمسمار صليلًا: ضرب فأكره أن يدخل في الشيء، والإبل صليلًا: يبست أمعاؤها من العطش فسمع لها صوت عند الشرب.
ومن الصوت: صلصل: أوعد وتهدد، وقتل سيد العسكر- لظهور الصيت بذلك، وصلصل الرعد: صفا صوته، والكلمة: أخرجها متحذلقًا، وطائر أو الفاختة، والراعي الحاذق، والمصلل- كمحدث: السيد الكريم الحسيب، والخالص النسب، والأسكف وهو الإسكاف عند العامة، وتصلصل الغدير: جفت حمأته، فتهيأ لأن يصوت يبسه، والحلي: صوت، وحمار صُلصُل وصُلاصل- بضمهما، وصلصال ومُصلصِل: مصوت.
ومن النتن: صلول اللحم والماء، يقال: صل اللحم صلولًا: أنتن، والماء: أجن، والصليان- بكسرتين مشددة اللام: ما تغير من اللحم، والصلة- بالضم: الريح المنتنة.
ومن اليبس: الصلة، وهي الجلد اليابس قبل الدباغ، والنعل، والأرض، أو اليابسة- وصل السقاء صليلًا: يبس.
أو أرض لم تمطر بين ممطورتين، والصل- بالكسر: القرن، وشجر، والسيف القاطع.
ومن النداوة: الصلة، وهي التراب الندي؛ ومن الماء أعم من أن يكون كثيرًا أو قليلًا: الصلة للمطرة الواسعة والمتفرقة القليلة، والصلة- بالضم: بقية الماء وغيره، وكذا الصلصلة والصلصل- بضمهما: بقية الماء في الغدير، وكذا من الدهن والزيت، وأما التفرق فمن التشقق، والصلة: القطعة من العشب، سميت باسم المطر تسمية للمسبب باسم السبب.
ومن اللين: الصلالة- بالكسر- لبطانة الخف أو ساقها، والصلصل- كهدهد: ناصية الفرس ويفتح، أو بياض في شعر معرفته، وما ابيض من شعر ظهره، وهذا من التمييز أيضًا؛ ومن المحل: القدح أو الصغير منه، والمصلة- بالكسر: الإناء يصفى فيه الشراب؛ ومن الخبث: الصل- بالكسر للحية مطلقًا، أو الدقيقة الصفراء، والداهية، والتسيف القاطع- شبه بذلك لإهلاكه، وإنه لصل أصلال: داهٍ منكر في الخصومة وغيرها، وصلتهم الصالة: أصابتهم الداهية، وهذا أيضًا من شدة الانتشاب، ومن التشقق: الصال وهو الماء يقع على الأرض فتشقق.
ومن التصفية: صللنا الحب المختلط بالتراب: صببنا فيه ماء فعزلنا كلًا على حياله، وصل الشراب صلًا صفاه، والمصلة- بالكسر: الإناء يصفي فيه.
ومن تضام الأجزاء وتضايقها، وقد يكون مع الانتظام ومنه: تلصيص البنيان، أي ترصيصه، وقد لا يشترط فيه الانتظام ومنه: التص بمعنى التزق، واللص وهو تقارب المنكبين، وتقارب الأضراس، وتضام مرفقي الفرس إلى زوره، واللصاء من الجباه: الضيقة، والمرأة الملتزقة الفخدين لا فرجة بينهما، والزنجي: ألص الأليتين، وإغلاق الباب؛ ومن إطلاقه على ما ليس منتظمًا وإن لم يكن تقارب: اللصاء من الغنم، وهي ما أقبل أحد قرينها وأدبر الآخر، ومن الخفاء الذي هو من لوازم الطين وهو ندي: اللص- بالفتح، وهو فعل الشيء في ستر، والسارق، ويثلث.
ومادة سن تدور على الدلك، ويلزمه التحسين، فمن الدلك: السن- بالكسر، وهو الضرس والخبة من الثوم- تشبه به، والثور الوحشي، وسنان الرمح، ومكان البري من القلم، والأكل الشديد، والقرن، وشعبة المنجل، ومقدار العمر- لأنه لما مر على صاحبه كان كأنه دلكه، والمسانّ من الإبل: الكبار، وسن السكين وغيره فهو مسنون، والمسن- بالكسر: آلة السن، وسنن رمحه إليه: سدده، وسن الأضراس: سوكها، والإبل: ساقها سريعًا- لتدالكها عند الازدحام، وسن الأمر: بينه- فكأنه هيأه لأن يركب فيدلك بالأفكار أو غيرها، وسن الطين: عمله فخارًا، وفلانًا: طعنه بالسنان أو عضه بالأسنان، والفحل الناقة: كبها على وجهها، وعليه الدرع أو الماء: صبه، والطريقة: سارها، واستن: استاك.
والفرسُ: قمص، والسراب: اضطرب، والسنة- بالكسر: الفأس لها خلفان، والسنة- بالضم: السيرة أو الطبيعة- كأنها عولجت حتى انقادت، والسنة من الله: حكمه وأمره ونهيه، وسنن الطريق- مثلثة وبضمتين: نهجه وجهته، وجاءت الريح سناسن: على طريقة واحدة، والحمأ المسنون: المنتن- لأنه تهيأ لأن يدلك بالآية جبلًا حتى يصلح لما يستعمل فيه، والفحل يسانّ الناقة: يكدمها ويطردها حتى ينوخها ليسفدها، والسنين- كأمير: ما يسقط من الحجر إذا حككته، والأرض التي أكل نباتها كالمسنونة، والسنسن- بالكسر: العطش- كأنه سن الأمعاء حتى أحرقها، ورأس المحالة، أي البكرة العظيمة، وحرف فقار الظهر كالسن والسنسنة، ورأس عظام الصدر، أو طرف الضلع التي في الصدر، والمستسن: الطريق المسلوك، والمستن: الأسد، والسنن- محركة: الإبل تستن في عدوها، والسنينة- كسفينة: الرمل المرتفع المستطيل على وجه الأرض، وهو من المسنون بمعنى المصبوب: وسنني هذا الشيء: شهى إليّ الطعام- كأنه سن المعدة حتى قطعت بعد كلالها، وتسانت الفحول: تكادمت، والنّس: سرعة الذهاب، ويلزمه تدالك الأعضاء، ونسيس الإنسان: مجهوده- لأن ذلك لا يكون إلا بعد أشد الاضطراب، والنسيسة: الحشاشة، وهي بقية الروح من المريض والجريح- كأنها صدمت حتى ذهب أكثرها، ونس اللحم: ذهب بلله من شدة الطبخ- لأن إحراق النار أعظم دلكٍ، وكذا نس الحطب- إذا أخرجت النار زبده على رأسه- لقيام الإحراق مقام الرضخ فيما يستخرج دهنه، ونس من العطش: جف، من ذلك؛ ومن التحسين: سنن المنطق- إذا حسنه، وسن الأمر: بينه، والطين: عمله فخارًا، والمال: أرسله في الرعي أو أحسن القيام عليه حتى كأنه صقله، والشيء: صوره، والسنة- بالضم: الوجه، أو حُرُّه، أو دائرته، أو الصورة أو الجبهة، ورجل مسنون الوجه: مملسه حسنه سَهْلُه، أو في وجهه وأنفه طول، وكل ذلك يرجع إلى الدلك أيضًا- والله أعلم.
وقال أبو حيان: قال ابن عباس- رضى الله عنهما ـ: المسنون: الرطب، ومعناه المصبوب، لأنه لا يكون مصبوبًا إلا وهو رطب؛ وقال الرازي في اللوامع: وهذا إشارة إلى درجات خلق آدم عليه السلام ومراتبه، وأشار الله تعالى إلى ذلك في مواضع مختلفة حسبما اقتضته الحكمة فقال في موضع {خلقه من تراب} [آل عمران: 59]. إشارة إلى المبدإ الأول، وفي آخر {من طين} إشارة إلى الجمع بين الماء والتراب، وفي آخر {من حمإٍ مسنون} إشارة إلى الطين المتغير المستقر على حالة من الاعتدال تصلح لقبول الصورة، وفي آخر {من صلصال} إشارة إلى يبسه وسماع صلصلة منه، وفي آخر {من صلصال كالفخار} [الرحمن: 14]، وهو الذي قد أصلح بأثر من النار فصار كالخذف، وبهذه القوة النارية حصل في الإنسان أثر من الشيطنة- انتهى.
وقال الرماني: وقد تضمنت الآيات البيان عمّا يوجبه تقليب الحيوان من حال إلى حال من جاعل قادر قلّبه من أصل هو أبعد شيء من حال الحيوان إلى الحيوان، وقال: إن الحكمة في جعله من الحمأة العبرة في أنه قلب من تلك الحال الحقيرة في الصفة إلى هذه الحال الجليلة.
ولما ذكر سبحانه خلق الإنسان، أتبعه ذكر ما خلقه قبله من الجنان فقال: {والجان} أي الذي هو للجن كآدم عليه السلام للناس: وقيل: هو إبليس {خلقناه} وعبر عن تقليل زمان سبق خلقه وتقريبه بإثبات الجار فقال: {من قبل} أي قبل خلق الإنسان {من نار السموم} أي الحر الشديد، قيل: هي نار لا دخان لها، يكون منها الصواعق، وهي بين السماء وبين الحجاب، فإذا أراد الله تعالى خرقت الحجاب، فهدت إلى ما أمرت به، فالهداة التي يسمعها الناس هي خرق ذلك الحجاب؛ وقال الرازي في اللوامع: نار لطيفة تناهت في الغليان في أفق الهواء، وهي بالإضافة إلى النار التي جعلها الله تعالى متاعًا كالجمد إلى الماء والحجر إلى التراب- انتهى.
وقال عبد الله: هذه السموم جزء من سبعين جزءًا من السموم التي خلق الله منها الجان، وهي مأخوذة من دخولها بلطفها في مسام البدن، ومنه السم القاتل- انتهى.
ولما كانت نعمة الإيجاد كافية في إخلاص العبادة للموجد، ثم لم يعتبرها أهل الضلال، أشار تعالى إلى نعمة هي أكبر منها، وهي التفضيل على جميع المخلوقات على وجه مبين لسبب الضلال، فقال عاطفًا على ما تقديره: اذكر هذا فإنه كافٍ في المراد لكل ذي لب: {وإذ} أي واذكر قول ربك إذ {قال ربك} أي المحسن إليك بتشريف أبيك آدم عليه السلام لتشريفك {للملائكة} ولما كان مما يتوقف فيه، أكده فقال: {إني خالق بشرًا} أي حيوانًا غير مُلبَس البشرة بما جعله عليه من الطبيعة على الصورة الإنسانية {من صلصال} أي طين شديد اليبس {من حمإ} أي طين أسود منتن {مسنون} أي مصور بصورة الآدمي في تجويفه وأعضائه كأنه مصبوب في قالب؛ قال الرماني: وأصله الاستمرار في جهة من قولهم: على سَنن واحد {فإذا سويته} أي عدلته وأتممته وهيأته لنفخ الروح تهيئة قريبة من الفعل {ونفخت فيه من روحي} أي خلقت الحياة فيه كما تعلق النار بالفتيلة بالنفخ، وهو تمثيل، وأضاف الروح إليه تشريفًا، وهو ما يصير به الجسم حيًا، وأشرف منه ما يصير به الروح عالمًا، وأشرف منه ما يصير به العالم عاملًا خاشعًا {فقعوا له} أي تعظيمًا، حال كونكم {ساجدين} أي اسجدوا له سجود من كان في مبادرته به وسهولة انقياده كأنه وقع من غير اختياره {فسجد الملائكة} أي بسبب هذا الأمر من غير توقف لما جاء الوقت الذي أمرتهم فيه لذلك البشر، وهو أبوكم آدم عليه السلام وأنتم في صلبه {كلهم أجمعون}.
ولما أبلغ في تأكيد ما أفهمه الجمع، استثنى فقال: {إلا إبليس} قيل: هو من قوم من الملائكة، وقيل: بل- لكونه كان واحدًا بينهم منضافًا إليهم عاملًا بأعمالهم- كان معمورًا فيهم، فكان كأنه منهم، فصح استثناءه لذلك، فكأنه قيل: ما فعل.
فقيل استعظامًا لمخالفته: {أبى أن يكون} أي لشكاسة في جبلته {من الساجدين} أو إنه لم يقل: فأبى- بالعطف، لأن الاستثناء منقطع، فإن إبليس من نار والملائكة من نور، وهم لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون بخلافه، فكأنه قيل: فما فعل به الملك؟ فقيل: لم يعاجله بالعقوبة، بل أخره إلى أجله المحكوم به في الأزل كما أنه لم يعاجلكم لذلك، فكأنه قيل: فما قال له؟ فقيل: {قال} له ليقيم الحجة عليه عند الخلائق ظاهرًا كما قدمت عليه الحجة في العلم باطنًا: {يا إبليس} اختار هذا الاسم هنا لأن الإبلاس معناه اليأس من كل خير، والسكون والانكسار، والحزن والتحير، وانقطاع الحجة والندم {مالك} أي شيء لك من الأعذار في {ألا تكون} أي بقلبك وقالبك {مع الساجدين} لمن أمرتك بالسجود له وأنت تعلم مما أنا عليه من العظمة والجلال ما لا يعلمه كثير من الخلق {قال لم أكن} وأكد إظهارًا للإصرار والإضرار بالكبر فقال: {لأسجد لبشر} أي ظاهر البدن، لا قدرة له على التشكل والتطور {خلقته من صلصال} أي طين يابس لا منعة فيه، بل إذا نقر أجاب بالتصويت {من حمإ} أي طين متغير أسود كدر {مسنون} أي مصور بصورة الفخار متهيىء للدلك، لا يرد يد لامس، وأنا خير منه لأنك خلقتني من نار نافعة بالإشراق، ممتنعة ممن يريدها بالإحراق، فخضوعي له منافٍ لحالي وممتنع مني، وإلزامي به جور، فكأنه قيل: فماذا أجيب؟ فقيل: {قال فاخرج} أي تسبب عن كبرك أني أقول لك: اخرج {منها} أي من دار القدس، قيل: السماء، وقيل: الجنة {فإنك رجيم} أي مطرود إذ الرجم لا يكون إلا لمن هو بعيد يراد الزيادة في إبعاده بل إهلاكه، وعلة الإخراج أنها دار لا يقيم بها متكبر عاصٍ بمخالفة أمري، فإن لي الحاكم النافذ والعظمة التامة المقتضية لوجوب الطاعة، لا ينبغي لمن أمرته بما مر أن يتخلف عن أمري فضلًا عن أن يضرب لي الأمثال، ويواجهني بالجدال، طاعنًا فيما لي من الجلال والجمال؛ثم أكد بُعده بالإخبار باستمراره فقال: {وإن عليك} أي خاصة {اللعنة} أي الكاملة للقضاء بالمباشرة لأسباب البعد {إلى يوم الدين} أي إلى يوم انقطاع التكليف وطلوع صبح الجزاء بفناء الخلق أجمعين وفوات الأمد التي تصح فيه التوبة التي سبب القرب، فذلك إيذان بدوام الطرد، وتوالي البعد والمقت، فلا يتمكن في هذا الأمد من عمل يكون سببًا للقرب من حضرة الأنس، وجناب القدس، ومن منع من التوبة عن الكفر في وقتها يعلم قطعًا أنه لا يغفر له، فهو معذب أبدًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)}
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن هذا هو النوع السابع من دلائل التوحيد فإنه تعالى لما استدل بتخليق الحيوانات على صحة التوحيد في الآية المتقدمة أردفه بالاستدلال بتخليق الإنسان على هذا المطلوب.
المسألة الثانية:
ثبت بالدلائل القاطعة أنه يمتنع القول بوجود حوادث لا أول لها، وإذا ثبت هذا ظهر وجوب انتهاء الحوادث إلى حادث أول هو أول الحوادث، وإذا كان كذلك فلابد من انتهاء الناس إلى إنسان هو أول الناس، وإذا كان كذلك فذلك الإنسان الأول غير مخلوق مع الأبوين فيكون مخلوقًا لا محالة بقدرة الله تعالى.
فقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} إشارة إلى ذلك الإنسان الأول، والمفسرون أجمعوا على أن المراد منه هو آدم عليه السلام، ونقل في كتب الشيعة عن محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال: قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم أو أكثر وأقول: هذا لا يقدح في حدوث العالم بل لأمر كيف كان، فلابد من الانتهاء إلى إنسان أول هو أول الناس وأما أن ذلك الإنسان هو أبونا آدم، فلا طريق إلى إثباته إلا من جهة السمع.
واعلم أن الجسم محدث، فوجب القطع بأن آدم عليه السلام وغيره من الأجسام يكون مخلوقًا عن عدم محض، وأيضًا دل قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [آل عمران: 59]. على أن آدم مخلوق من تراب، ودلت آية أخرى على أنه مخلوق من الطين، وهي قوله: {إِنّي خالق بَشَرًا مِّن طِينٍ} [ص: 71]، وجاء في هذه الآية أن آدم عليه السلام مخلوق من صلصال من حمأ مسنون، والأقرب أنه تعالى خلقه أولًا من تراب ثم من طين ثم من حمأ مسنون ثم من صلصال كالفخار، ولا شك أنه تعالى قادر على خلقه من أي جنس من الأجسام كان، بل هو قادر على خلقه ابتداء، وإنما خلقه على هذا الوجه إما لمحض المشيئة أو لما فيه من دلالة الملائكة ومصلحتهم ومصلحة الجن، لأن خلق الإنسان من هذه الأمور أعجب من خلق الشيء من شكله وجنسه.
المسألة الثالثة:
في الصلصال قولان: قيل الصلصال الطين اليابس الذي يصلصل وهو غير مطبوخ، وإذا طبخ فهو فخار.
قالوا: إذا توهمت في صوته مدًا فهو صليل، وإذا توهمت فيه ترجيعًا فهو صلصلة.
قال المفسرون: خلق الله تعالى آدم عليه السلام من طين فصوره وتركه في الشمس أربعين سنة، فصار صلصالًا كالخزف ولا يدري أحد ما يراد به، ولم يروا شيئًا من الصور يشبهه إلى أن نفخ فيه الروح.
وحقيقة الكلام أنه تعالى خلق آدم من طين على صورة الإنسان فجف فكانت الريح إذا مرت به سمع له صلصلة فلذلك سماه الله تعالى صلصالًا.
والقول الثاني: الصلصال هو المنتن من قولهم صل اللحم وأصل إذا نتن وتغير، وهذا القول عندي ضعيف، لأنه تعالى قال: {مِن صلصال مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} وكونه حمأ مسنونًا يدل على النتن والتغير وظاهر الآية يدل على أن هذا الصلصال إنما تولد من الحمأ المسنون فوجب أن يكون كونه صلصالًا مغايرًا لكونه حمأ مسنونًا، ولو كان كونه صلصالًا عبارة عن النتن والتغير لم يبق بين كونه صلصالًا، وبين كونه حمأ مسنونًا تفاوت، وأما الحمأ فقال الليث الحمأة بوزن فعلة، والجمع الحمأ وهو الطين الأسود المنتن.
وقال أبو عبيدة والأكثرون حماة بوزن كمأة وقوله: {مَّسْنُونٍ} فيه أقوال: الأول: قال ابن السكيت سمعت أبا عمرو يقول في قوله: {مَّسْنُونٍ} أي متغير قال أبو الهيثم يقال سن الماء، فهو مسنون أي تغير.